من الفقر إلى الموت.. طريق الهجرة عبر اليمن يحصد الأرواح ويغذي شبكات الاتجار
من الفقر إلى الموت.. طريق الهجرة عبر اليمن يحصد الأرواح ويغذي شبكات الاتجار
شهد اليمن خلال السنوات الأخيرة تصاعدا مقلقا في تدفق المهاجرين غير النظاميين، في مسار بات يوصف بأنه من أخطر طرق الهجرة في العالم، حيث تتقاطع فيه شبكات التهريب المنظمة مع واقع الحرب والانهيار الإنساني، ما حول رحلة البحث عن الأمان إلى مسار مفتوح للموت والانتهاكات، وكشف تقرير حقوقي حديث حجم هذه الظاهرة وأبعادها الإنسانية الصادمة، موثقا تحولا خطيرا للهجرة عبر اليمن من حركة بشرية عشوائية إلى نشاط منظم يدر ملايين الدولارات سنويا على حساب أرواح المهاجرين وكرامتهم.
تصاعد أعداد المهاجرين عبر اليمن
أفاد المركز الأمريكي للعدالة –وفق تقرير نشرته فضائية العربية الأحد- بأن أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا اليمن شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الأعوام الماضية، حيث سُجل دخول نحو 77 ألف مهاجر في عام 2022، ثم ارتفع العدد إلى 97 ألفا في عام 2023، قبل أن ينخفض نسبيا إلى نحو 80 ألفا في عام 2024، ومع ذلك، فإن وتيرة التدفق لا تزال مرتفعة، إذ تجاوز عدد الوافدين 37 ألف مهاجر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري وحده، ما يعكس استمرار هذا المسار رغم مخاطره المتزايدة.
هذا التدفق المستمر يحدث في بلد يعاني أصلا من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعيش ملايين اليمنيين في ظل الفقر وانعدام الأمن الغذائي وتدهور الخدمات، الأمر الذي يجعل المهاجرين فئة أكثر هشاشة، بلا حماية قانونية أو إنسانية حقيقية.
طريق الهجرة الشرقي مسرح للانتهاكات
وثّق المركز في تقريره "الهروب إلى الموت" واقع الهجرة غير النظامية عبر الطريق الشرقي، الذي يمر باليمن ويعد بوابة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من دول القرن الإفريقي، خاصة إثيوبيا والصومال، وأظهر التقرير أن هذا الطريق تحول إلى بيئة مفتوحة لانتهاكات جسيمة، تمارسها شبكات الاتجار بالبشر وأطراف مسلحة، في ظل غياب شبه تام للحماية القانونية وضعف التنسيق الإقليمي والدولي.
وبيّن التقرير أن شبكات التهريب لم تعد تعمل بشكل عشوائي، بل أصبحت كيانات منظمة ذات هياكل معقدة، تستغل ضعف المهاجرين وحاجتهم الملحة، وتفرض عليهم رسوما باهظة مقابل وعود زائفة بالوصول الآمن، بينما تنتهي الرحلة في كثير من الأحيان بالاختطاف أو التعذيب أو الموت.
حصيلة ثقيلة من الانتهاكات
رصد المركز الأمريكي للعدالة 660 انتهاكا لحقوق المهاجرين في اليمن بين عامي 2023 و2025، شملت طيفا واسعا من الجرائم، بدءا من الحرمان من المساعدات الإنسانية، وسوء المعاملة، والاختطاف، والاعتقال التعسفي، وصولا إلى الاعتداء الجسدي والاستغلال والعمل القسري والتعذيب والاغتصاب والتجنيد القسري، كما وثّق التقرير حالات وفاة نتيجة الجوع والإهمال، إضافة إلى القتل المباشر.
وحدد التقرير نسب المسؤولية عن هذه الانتهاكات، محملا شبكات التهريب نحو 45 بالمئة من الحالات الموثقة، تلتها جماعة الحوثي بنسبة 35 بالمئة، فيما توزعت النسبة المتبقية على أطراف أخرى، من بينها قوات محلية وجهات مرتبطة بالنزاع المسلح، ما يعكس تعدد مصادر الخطر التي تحيط بالمهاجرين في اليمن.
نساء وفتيات تحت ضغط الاستغلال
حذّر التقرير من التداعيات الكارثية لانخفاض المساعدات الدولية المخصصة للمهاجرين، مشيرا إلى أن هذا التراجع فاقم الأوضاع المعيشية ودفع بعض النساء والفتيات إلى الوقوع في دائرة الاستغلال الجنسي القسري مقابل الحصول على الغذاء أو المأوى، واعتبر التقرير أن هذا الواقع يمثل أحد أبشع أشكال انتهاك الكرامة الإنسانية، ويكشف حجم الفجوة في منظومة الحماية الدولية للمهاجرين.
ضحايا الغرق والموت الصامت
أشار التقرير إلى أن المهاجرين الإثيوبيين يشكلون 89 بالمئة من إجمالي المهاجرين العابرين عبر اليمن، مقابل 11 بالمئة من الصوماليين، وسجل عام 2024 وحده وفاة 585 مهاجرا غرقا أثناء محاولات العبور، في رقم يعكس حجم المخاطر المرتبطة بالرحلة، خاصة عبر السواحل اليمنية الخطرة، حيث يلقى كثيرون حتفهم دون أن تُعرف أسماؤهم أو تُسجل قصصهم.
دعوات عاجلة للتحرك الدولي
طالب التقرير المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة شبكات الاتجار بالبشر، وتعزيز آليات المحاسبة والملاحقة القانونية بحق المتورطين في هذه الجرائم. كما دعا إلى تفعيل مسارات قانونية وآمنة لحماية المهاجرين، وضمان وصولهم إلى المساعدات الإنسانية دون تمييز.
ووجه التقرير دعوة مباشرة إلى ميليشيا الحوثي لوقف ممارسات تجنيد المهاجرين واحتجازهم في أماكن لا تتوافق مع المعايير الدولية، كما حث حكومات دول القرن الإفريقي، وعلى رأسها إثيوبيا والصومال، على معالجة جذور الهجرة المرتبطة بالفقر والصراعات، وتعزيز التنسيق لإعادة مواطنيها المحتجزين في اليمن، وتقديم الدعم للناجين من الانتهاكات.
صمت دولي ونزيف مستمر
أكد المركز الأمريكي للعدالة أن الصمت الدولي إزاء ما يتعرض له المهاجرون في اليمن لا يعني سوى استمرار نزيف الأرواح على طريق لا يُنظر فيه إلى المهاجرين كبشر لهم حقوق أصيلة، وشدد على أن غياب رد فعل دولي جاد يشجع الجناة على مواصلة جرائمهم، ويحول اليمن إلى منطقة إفلات شبه كامل من العقاب.
وجدد المركز التزامه بمواصلة التوثيق والتحقيق والمناصرة القانونية، من أجل حماية المهاجرين ومساءلة جميع المتورطين، مؤكدا أن إنهاء هذه المأساة يتطلب إرادة دولية حقيقية تتجاوز بيانات القلق إلى خطوات عملية تنقذ الأرواح وتحفظ الكرامة الإنسانية.
يعد اليمن أحد أبرز مسارات الهجرة غير النظامية في المنطقة، خاصة للمهاجرين القادمين من دول القرن الإفريقي، الذين يسعون للوصول إلى دول الخليج بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل، ومنذ اندلاع النزاع المسلح في اليمن عام 2015، تدهورت الأوضاع الأمنية والإنسانية بشكل حاد، ما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وضعف منظومة العدالة والحماية.
هذا الواقع جعل البلاد بيئة خصبة لنشاط شبكات التهريب والاتجار بالبشر، التي تستغل غياب الرقابة وانتشار السلاح وتعدد القوى المسلحة، ومع تراجع التمويل الدولي للأزمات الإنسانية، بات المهاجرون عالقين في دائرة من العنف والاستغلال، وسط تحذيرات متزايدة من تحول طريق الهجرة عبر اليمن إلى واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية المنسية في العالم.










